نبذة تاريخية
إن وظيفة القضاء في الدولة هي تطبيق القواعد القانونية لمنح الحماية القضائية لأصحاب الحقوق ، ولكل من وقع عليه اعتداء أو ظلم، وأن ذلك يتم عن طريق محاكم ذات أنواع ودرجات متعددة (جزئية ، ابتدائية ، استئناف ) مما دعت الحاجة إلى وجوب إيجاد جهة تراقب وتشرف على الأحكام التي تصدرها تلك المحاكم لكي يتم هذا التطبيق صحيحا ، وأن يتوحد فهم القانون لديها ، فقد درجت كافة الدول المعاصرة على تضمين نظامها القضائي محكمة تعتلي قمة الهرم القضائي فيها ـــ مع اختلاف المسمى الذي يطلق على هذه المحكمــــــــة ، تمييز ، نقض ، تعقيب ، مجلس أعلى ـــ أوكلت إليها تنفيذ تلك المهمة ، ولم تخرج الدولة الليبية عن هذا النهج ، وقد آثر المشرع الليبي أن يسميها المحكمة العليا.
لم تنشأ المحكمة العليا في ليبيا عقب استقلال البلاد بتاريخ 24/ 12 / 1951 م بالرغم من النص عليها في الدستور الذي أقرته الجمعية الوطنية الليبية بتاريخ 8 / 10 / 1951 م ، وإنما ظهرت إلى الوجود عقب إصدار قانون المحكمة العليا الاتحادية بتاريخ 10 / 11 / 1953م ، الذي تم تعديله بالمرسوم الصادر بتاريخ 3 / 11/ 1954 م . ومنذ ذلك التاريخ شرعت في ممارسة اختصاصاتها كمحكمة دستورية ، ومحكمة نقض في المسائل المدنية والتجارية والأحوال الشرعية ، ومحكمة للقضاء الإداري ، ومحكمة خاصة بالطعون الانتخابية ، بالإضافة إلى دور الفتوى والتشريع ، بالنظر إلى حاجة البلاد آنذاك لجهة قانونية متخصصة وذات خبرة في تفسير القوانين ومراجعتها قبل إصدارها من الحكومة الاتحادية ، وحكومة الولايات.
لقد أعطى المشرع الليبي منذ النشأة الأولى للمحكمة مكانة خاصة للمبادئ التي تقررها فجعلها ملزمة للمحاكم الدنيا ، وجميع السلطات في ليبيا ، لذلك نص في المادة (28) من قانون المحكمة العليا عل أن ” تكون المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها ملزمة لجميع المحاكم والسلطات في ليبيا ” وتم التأكيد على ذلك بموجب نص المادة (31) من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا.
أعاد المشرع تنظيم المحكمة ـ بعد سنة 1969 م ـ بقرار صادر بتاريخ 25/ 10 / 1969 م ، ثم أصدر القانون رقم 6 لسنة 1982 م بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، الذي تم تعديله بالقانون رقم 17 لسنة 1994 م ، وبالقانون رقم 8 لسنة 2004 م . ثم بالقانون رقم 33 لسنة 2012 م . وهذا القانون وتعديلاته هو الذي حدد اختصاصات المحكمة العليا حاليا ، ونظم أعمالها ، وبين دورها على رأس الهرم القضائي في البلاد . و تضمن القانون المشار إليه بابا نص فيه على تشكيل المحكمة ودوائرها ، حيث تؤلف المحكمة من رئيس وعدد من المستشارين ، وتتكون من دوائر تتولى كل منها نظر نوع من الدعاوى التي تختص المحكمة بالفصل فيها . وتجدر الإشارة إلى أن المستشارين الذين تم تعيينهم في المحكمة منذ إنشائها خلال سنة 1953 م إلى الوقت الحاضر ( سنة 2017م ) قد بلغ عددهم (174) مستشارا ، وان من تناوب منهم على رئاسة المحكمة قد بلغ (15) مستشارا . وان عدد المستشارين العاملين فعليا بالمحكمة ــ بحلول السنة 64ق {2016 ـ 2017 م} لا يتعدى (64) مستشارا ، موزعين على دوائرها المختلفة البالغ عددها (12) دائرة ، منها (5) دوائر لنظر الطعون المدنية والتجارية ، ومثلها لنظر الطعون الجنائية ، ودائرة واحدة لنظر الطعون الإدارية ، واخرى لنظر طعون الأحوال الشخصية ، كما شكلت دائرة لنظر الطعون الدستورية . هذا بالإضافة إلى دوائر المحكمة مجتمعة .
صدرت اللائحة الداخلية للمحكمة العليا بقرار من جمعيتها العمومية بجلستها رقم 283 / 2004م بتاريخ 28 /7 / 2004 م ، وتم تعديلها بتاريخ 5 / 3 / 2005 م ، ثم بقرار الجمعية العمومية بجلستها رقم 285 بتاريخ 25 / 6 / 2005 م . نص فيها على تنظيم عمل الجمعية العمومية للمحكمة العليا ، وبيان اختصاصاتها ، كما تناولت الإجراءات أمام دوائر المحكمة العليا ، ومنها الدوائر المجتمعة ، كما بينت إجراءات الطعون الدستورية ، وإجراءات الفصل في تنازع الاختصاص ، والأحكام المتناقضة ، وإجراءات العدول عن المبادئ التي تقررها دوائر المحكمة العليا ، وأحالت في تنظيم العمل أمام الدوائر الأخرى على الأحكام الواردة في قوانين المرافعات المدنية والتجارية ، وإجراءات المحاكم الشرعية ، والإجراءات الجنائية ، والقضاء الإداري ، كما تناولت الرسوم الواجب أداؤها على الطعون ، وطلبات وقف التنفيذ التي تقدم للمحكمة العليا ، وحددت السجلات والملفات والمستندات المتداولة بالمحكمة .
استنادا إلى القانون رقم 6 لسنة 1982 م بإعادة تنظيم المحكمة العليا الذي نص في مادته الخامسة عشرة على أن تلحق نيابة النقض بالمحكمة العليا ، ونص في مادته السادسة عشرة على أن تتألف نيابة النقض من عدد كاف من الأعضاء من بين رجال القضاء والنيابة العامة ممن لا تقل درجتهم عن درجة نائب نيابة من الدرجة الثانية . وبناء على ذلك صدر بتاريخ 27/ 11 / 1982م القرار رقم 708 لسنة 1982 بتنظيم نيابة النقض . بين اختصاصاتها ، والقواعد المتعلقة بالتفتيش على أعضائها ، وتجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة هي التي كانت تحضر جلسات دوائر المحكمة العليا ، ويقوم بذلك النائب العام ، أو من يمثله ـ استنادا إلى نص المادة 14 من اللائحة الداخلية للمحكمة الاتحادية . . وأن عدد الأساتذة الذين تم تعيينهم بنيابة النقض منذ إنشائها بعد إعادة تنظيم المحكمة العليا خلال سنة 1982م ـ إلى الوقت الحاضر ـ لا يتجاوز عددهم (127) عضوا ، وأن الأساتذة الذين تناوبوا على رئاسة تلك النيابة منذ إنشاء المحكمة العليا قد بلغ عددهم (4) رؤساء ، أما الذين تناوبوا على رئاستها بعد إعادة تنظيم المحكمة العليا خلال سنة 1982م ن فقد بلغ عددهم (7) رؤساء .